بدأ العد العكسي استعدادا للانتخابات النيابية مع إطلاق وزير الداخلية نهاد المشنوق هذا الأسبوع شعار “2018 لبنان ينتخب”، وسط معطيات تفيد بإمكانية تقريب موعد هذا الاستحقاق إلى آذار بدلا من أيار، خاصة وأن العديد من القوى تريد الاستفادة من الأجواء التي خلقتها التطورات الأخيرة المتعلقة بأزمة استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري ومن بينها “تيار المستقبل” و”التيار الوطني الحر”.
وتقول أوساط سياسية إن التحضيرات لهذا الاستحقاق ستشهد زخما أكبر بعد أعياد الميلاد، حيث سينصب التركيز على بناء تحالفات انتخابية وازنة لتحقيق أكبر عدد من المقاعد الممكنة، وإن كان ذلك ليس المعيار الوحيد لضمان النجاح في ظل القانون الجديد.
وتشكل الانتخابات التي ستجرى وفق قانون قائم على النسبية مع الصوت التفضيلي، أهمية كبرى بالنسبة للقوى السياسية باعتبار أن الفائزين بها سيكونون المتحكمين فعليا في المشهد السياسي في لبنان مستقبلا.
وتشير الأوساط السياسية إلى أن المفاجآت واردة جدا في مسار تشكيل التحالفات، خاصة وأن أزمة استقالة الحريري التي طويت صفحتها قبل أسبوعين تقريبا، أحدثت تصدعا يصعب ترميمه بين أكثر من طرف سياسي.
ويلفت هؤلاء إلى أنه وعلى خلفية الأزمة الأخيرة فإنه اليوم تسجل حالة فتور واضحة بين تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية، في ظل اتهامات من بعض أطراف الفريق الأول بأن القوات لم تكن على قدر التحدي الذي فرضته تلك الأزمة وأنها خذلتهم، هذه الاتهامات قابلتها قيادات القوات بالرفض والتنديد حتى أن القيادي أنطوان زهرا وفي تصريح له الخميس قال “أعتقد أنه يجب على البقية زيارة معراب (مقر القوات) وليس على سمير جعجع زيارة بيت الوسط (معقل المستقبل) بعد الكم الهائل من التجني ولسنا صناعا لدى أحد لتقديم الاعتذارات”.
وجاءت تصريحات زهرا ردا على تصريحات لافتة للأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري قال فيها “هناك علامات استفهام كبيرة مع القوات بشأن الأداء الحكومي ونحن بحاجة إلى أجوبة ونريد أن نعلم ماذا حصل مع الدكتور جعجع بشأن زيارته إلى السعودية”.
وأشار الحريري إلى أن “هناك الكثير من الناس يدعون أنّهم يجسدون حالة رفيق الحريري وهناك الكثير من الذين حاولوا طعن الرئيس سعد بالظهر خلال الأزمة”.
واعتبرت تصريحات أحمد الحريري بمثابة “بق البحصة” التي كان تعهد بها رئيس الوزراء خلال مقابلة تلفزيونية تأجلت إلى أجل غير مسمى.
ويرى مراقبون أن العلاقة الفاترة بين الحليفين بالتأكيد سيكون لها تأثيرها على مشوارهما في الاستحقاق الانتخابي، ويشير المراقبون إلى أن الحديث عن تحالف بين الطرفين سيكون حصوله أمرا صعبا جدا، في حال لم تسارع قيادتا الحزبين إلى إعادة حبل الوصل، وتوضيح سوء التفاهم بينهما.
وأزمة استقالة الحريري لم تؤثر فقط على العلاقة بين القوات والمستقبل بل أيضا على العلاقة بين القوات والتيار الوطني الحر، حيث بدا الطرفان في الأيام الأخيرة على مشارف تخطي نقطة اللاعودة، في ظل تبادل الاتهامات بالتخوين والانقلاب على “وثيقة التفاهم” التي كان يأمل كثيرون في أن تؤسس لمرحلة جديدة من العلاقة بين الحزبين المسيحيين.
ويلفت المراقبون إلى أن حالة الكباش بين القوات والتيار الوطني الحر لا يمكن إلقاء كامل مسؤوليتها على ما حصل في الأسابيع الأخيرة، بل إن هناك عديد العوامل المساهمة فيها ومنها النظرة القاصرة لكل طرف لـ”تفاهم معراب” فالتيار البرتقالي كان هدفه الأساس منه إيصال ميشال عون إلى سدة الرئاسة، بالمقابل فإن رئيس القوات سمير جعجع كان يطمح إلى أن يشرع نجاح عون قصر بعبدا له، بعد أن يرث تياره الزعامة المسيحية.
واليوم بعد أن تحقق هدف العونيين باتوا عمليا في حل من وثيقة معراب، خاصة وأن رئيسها جبران باسيل يطمح هو الآخر إلى زعامة الطائفة المسيحية ومن بعدها رئاسة الجمهورية، وبالتأكيد ينظر إلى جعجع كمنافس وخصم وليس كحليف.
ويشير المتابعون إلى أن هذا الوضع بين الجانبين سيصعب مهمة بحث تشكيل تحالفات في بعض الدوائر بينهما، هذا إن لم يتحول التنافس بينهما على الانتخابات إلى “معركة كسر عظام”.
ويلفت هؤلاء إلى أن هناك مسعى لعزل القوات، حيث إنه حتى تيار المردة الذي كثر الحديث في الفترة الماضية عن إمكانية حدوث تحالف انتخابي بينهما، لوضع حد لطموحات التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل بات صعبا، بعد أزمة الحريري، وأكيد أن تيار المردة سينضم إلى قافلة حليفيه الشعيين (حزب الله وحركة أمل) في عملية استهداف القوات الممنهجة.
وتروج اليوم الصالونات السياسية لتحالف خماسي يشمل كلّا من تيار المستقبل وحزب الله والتيار الوطني الحر وحركة أمل، واللقاء الديمقراطي، وقد ينضاف إليها المردة، وهذا بالطبع سيدفع “المغضوب عليهم” من هذه القوى إلى التكتل في تحالف مضاد يضم القوات والكتائب واللواء أشرف ريفي وبعض الشخصيات المستقبلية “المتمردة”.
ويقول مراقبون إن كل شيء جائز، ولكن تشكيل مثل هكذا تحالف يضم نقيضين أي حزب الله والمستقبل سيعد بمثابة انتحار سياسي للأخير، خاصة وأن الحاضنة الشعبية للتيار الأزرق لن تقبل مثل هذا الأمر وكذلك الحلفاء الإقليميون وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية.
ومع انطلاقة العهد في نهاية العام الماضي شهدت العلاقة بين المستقبل والتيار الوطني الحر واللقاء الديمقراطي وحركة أمل تطورا لافتا تكرس على خلفية أزمة الاستقالة، في المقابل يبدي حزب الله التزاما بسياسة ربط النزاع مع المستقبل رغم الخروقات.
وصرح رئيس الوزراء الخميس “نحن نرى أن الانتخابات النيابية المقبلة ستكون بين خطين: من يريد الاستقرار والأمن والاقتصاد ومن يريد فقط الصراخ والمزايدة على سعد الحريري لتحصيل مكاسب بعيدة المنال”.