خلصت دراسة مصرية حديثة إلى أن الفنون الشعبية بأبعادها المختلفة تؤكد عمق علاقة الإنسان المصري الحميمة بالفن، وذلك بما تحمله الذاكرة الإنسانية من خبرات جمالية بأشكال التعبير الفني المختلفة عبر متغيرات ثقافية أثرت التجربة الإنسانية للمصريين منذ عصور الفراعنة وحتى اليوم.
توضح الدراسة أن العلاقة بين المصري وبيئته صارت علاقة تفاعلية وتبادلية بمعناها العام، فهي علاقة بين الفرد والمحيط الناشئ فيه، لتبقى البيئة -عبر الزمان- هي الإطار غير المحدود، والوعاء الذي يحتوي على ما يحيط بالمجتمعات المصرية ماديا وروحيا.
وكان هذا التأثير المتبادل، الذي تأكدت أصوله منذ أولى القواعد الفنية التي وضعها المصري القديم، أساسا أقام عليه حضارته.
وأجرى الدراسة الأكاديمية الباحث بكلية الفنون الجميلة في مدينة الأقصر بجنوب مصر عبد الرحيم حاكم حسن حاكم، ونال بها درجة الدكتوراه مؤخرا، وحملت عنوان "القيم التشكيلية للرسوم الجدارية الشعبية في جنوب مصر.. مدخل لإحياء رسوم القرية- دراسة ميدانية".
ووفقا للدراسة فإنه مع عمق علاقة المصري ببيئته، ظل التصوير الجداري على الأسطح والواجهات الخارجية للمعابد والمنازل منذ عصر ما قبل التاريخ وحتى العصر الحديث، يتنوع في أشكاله وأساليبه تبعا لاختلاف المتطلبات الحضارية والطرز المعمارية لكل عصر.
ويشير الباحث إلى أن جنوب مصر يزخر بتراث فني متفرد، يبدأ من الرسوم الجدارية التي ارتبطت بمناسبة الحج إلى بيت الله الحرام، وانحصرت في معظم الدراسات بطقوس الرحلة المقدسة، مثل رسم المراكب أو الكعبة المشرفة أو الهلال وغيره من الرموز العامة.
الباحث قال إن جنوب مصر يزخر بتراث فني متفرد (الألمانية) |
وأوضحت الدراسة أن ظاهرة رسوم الجداريات الشعبية التي اقترنت بصفة عامة برحلة الحج، تعتبر إرثًا مصريا خالصا، ربما لم يتكرر في المجتمعات العربية أو المسلمة الأخرى.
كما قالت إن الرسوم والجداريات الشعبية لم ترتبط ببيوت حجاج بيت الله الحرام فقط، وإنما تظهر على واجهات البيوت النوبية وجدران المقامات -أي مقابر الأولياء المحليين- وغيرها، وعند دراستها يتبين ارتباطها الوثيق بروح الجماعة المصرية، وما تحمله من خبرة جمالية مستمرة تشكلت عبر تاريخ طويل تمتد جذوره إلى عصور ما قبل التاريخ.
وتتأكد تلك الخبرة عبر تراث عيني زاخر بتنوع هائل من الأشكال الفنية وأساليب التعبير الفني التي تؤكد ما لدى المصريين من وعي تاريخي بأهمية الصورة ودورها في الحياة الإنسانية معنويا وماديا.