"يشهد التاريخ للمهرجان الوطني للمسرح الفكاهي بالمدية عبر جميع طبعاته أنه كان من صُنّاع البهجة، وأنه أدخل السّرور في نفوس متتبعيه، ورسم الضحكات على شفاه البراءة، وكان محطة مُضيئة تحتضن في كل مرة بحرارة رموز الفن، رموز الحياة".
بهذه التَقْدِمة أعلن الأديب الجزائري سعيد بن زرقة انطلاقة المهرجان الوطني للمسرح الفكاهي بولاية المدية (88 كلم شمال العاصمة الجزائر) بعد غياب استمر سنتين.
المهرجان -الذي تحتضنه بداية من الأحد حتى الأربعاء القادم حاضرة المدية أو عاصمة "بايلك التيطري" أحد بايلكات إيالة الجزائر الأربعة خلال فترة الحكم العثماني- تدثر في طبعته الـ 11 باسم ملك الكوميديا الجزائرية الفنان الراحل حسان الحسني المشهور بين أوساط الجزائريين باسم "بوبقرة" و"نعينع".
الاحتفاء بـ "الحسني" -واسمه الحقيقي حسان الشيخ- يأتي بمناسبة مرور ثلاثين عاما على وفاته، ومرور قرن من ولادته.
ومن أجل ذلك رأت محافظة المهرجان -وفق حديث رئيسها الكاتب سعد بن زرقة لـ الجزيرة نت- أن "ترفع هذه الدورة إلى روحه الشامخة المُبهجة اعترافا منها ونيابة عن عُشّاقه ومحُبّيه، لأنه كان الرفيق والصّديق الوفي للشعب العميق، حتى استحق باقتدار اسم فنان الشعب".
ويعدّ الحسني (24 أبريل/نيسان 1916-25 سبتمبر/أيلول1987) من أبرز الوجوه السينمائية والمسرحية في الجزائر.
امتهن الراحل الحلاقة في بدايات حياته، إلى أن اكتشف موهبته في التمثيل المخرج المعروف محيي الدين بشطارزي (5 ديسمبر/كانون الأول 1897- 6 فبراير/شباط 1986) فنصحه بالتوجه إلى عالم التمثيل، فكان باكورة أعماله "أحلام حسان" (1943) لتتوالى بعد ذلك منجزاته الفنية التي تجاوزت الأربعين فيلما، أبرزها رائعة "ريح الأوراس".
![]() |
وزير الثقافة عز الدين ميهوبي أثناء إلقاء كلمة الافتتاح (اللجنة الإعلامية للمهرجان) |
سجن
مسيرة الرجل لم تكن مفروشة بالورود، فقد دفع السجن ثمنا لبعض أدواره التي تناول فيها قضايا وطنه المستعمَر من طرف فرنسا، فكان سجني "سركاجي" و"البرواقية" وغيرهما ركحا مسرحيا حيث قدم مجموعة من الأعمال المسرحية الفكاهية الهادفة، المحرّكة للروح الوطنية، بين أوساط المعتقلين.
بعد استقلال البلاد عام 1962 عاد إلى نشاطه الفني من بوابة المسرح الجزائري، وفي عام 1966 أسس رفقة مجموعة من الفنانين فرقة المسرح الشعبي، ليقتحم بعد ذلك عالم السينما، ويؤدي أدوارا خالدة، منها دوره في رائعة ريح الأوراس للمخرج محمد الأخضر حمينة عام 1966، كما شارك في فيلم "الأفيون والعصا" (1969) و"وقائع سنين الجمر" الفيلم العربي الوحيد المتوّج بجائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي عام 1974.
يعتبر الحسني -برأي الروائي ورئيس جمعية نوافذ ثقافية رياض وطار- "أيقونة فن الفكاهة بالجزائر، وبرحيله فقدت الجزائر قامة فنية كبيرة لم يستطيع أي فنان أن يعوضها".
ورغم أنه عصامي التكوين في الفن، إلا أن سليل منطقة بوغار النائية تمكن ـوفق حديث وطار للجزيرة نت- بفضل مجهوداته وموهبته من تسجيل اسمه في السجل الفني، وقدم العشرات من الأعمال في المسرح والسينما والتلفزيون أسعدت العائلات الجزائرية، وأسس له مدرسة في فن الكوميديا يشهد لها العام والخاص.
ولم تقف إنجازات بوبقرة عند حدود الفن، بل كان أول فنان يمارس السياسة في الجزائر، حينما انتخب نائبا في البرلمان عام 1977.
![]() |
بن زرقة: الحسني "فنان الشعب" كان من صُنّاع البهجة (الجزيرة) |
تجديد العهد
واليوم وبعد ثلاثين عاما من رحيله، يعود مهرجان المسرح الفكاهي ليجدد العهد مع "بوبقرة" من خلال مساءلة الضحك وتفكيك خطاباته المكتوبة والمسموعة والمرئية، وفيه تتنافس الفرق المسرحية على جائزة "العنقود الذهبي".
واستقبل المهرجان عشرين مسرحية، إلا أنه اختار سبعة عروض فقط للتنافس باعتبارها زبدة الحراك المسرحي الفكاهي لهذا العام، وتتولى هيئة التحكيم المكونة من المسرحي المخضرم عبد الحق بن معروف، وعضوية المخرج جمال قرمي، والباحثة في النقد المسرحي جميلة زقاي، والسينوغرافي مراد بوشهير، مسؤولية اختيار العرض الذي سيتوج بجائزة العنقود الذهبي لعام 2017.
وعلى هامش العروض المسرحية، سيقدم مجموعة من الأكاديميين مداخلات حول عدة محاور أهمها فاعلية أدب الفكاهة في تعليم اللغة العربية، والفكاهية كأسلوب لتنمية شخصية الطفل ومكانتها في الممارسة التعليمية، إلى جانب تسليط الضوء على أنماط الشخصية الكوميدية في المسرح الجزائري.