محمد أفزاز-الجزيرة نت
قال رئيس غرفة تجارة وصناعة قطر الشيخ خليفة بن جاسم آل ثاني إن الحصار الذي فرض على الدوحة لم يؤثر عليها بقدر ما أثر على أسواق دول الحصار التي خسرت شركاتها الكثير نتيجة فقدانها للسوق القطرية، في حين لم تعد هذه الدول رهانا مضمونا للمستثمرين.
وأضاف أن الحكومة القطرية تعاملت مع هذا الحصار باقتدار، حيث نجحت في تحجيم المؤامرة على قطر وحولت موقف دول الحصار من الهجوم إلى الدفاع.
وأكد في حوار مكتوب مع الجزيرة نت أن عجلة الإنتاج والبناء والتشييد استمرت بسرعة ودون تعطل أو توقف، في وقت تم إنشاء أكثر من ثلاثة آلاف شركة.
وأوضح أن الدوحة استفادت من الحصار، وحققت العديد من الإنجازات منها إقرار تشريعات جديدة تعزز استقطاب الاستثمارات الأجنبية، ودعم الاستثمار في الدولة وتقديم حوافز تشجيعية جديدة للقطاع الخاص لدعم الصناعات المحلية وزيادة الإنتاج.
بالمقابل أوضح رئيس غرفة قطر أن المستثمرين بدول الحصار شعروا بأن استثماراتهم ليست في مأمن، ما أدى إلى هروب كثير من الأعمال من هناك في الآونة الأخيرة.
وأضاف "لم تعد هذه الدول رهانا مضمونا للمستثمرين في أسواق الشرق الأوسط ، كما أن مكانتها الاقتصادية قد تراجعت بشكل كبير".
وأشار أن القطاع الخاص نجح في أن يكون له دور بارز في هذه الأزمة، وأن يواجه أي نقص أو خلل في السلع والبضائع والخدمات، في وقت تم إنشاء أكثر من ثلاثة آلاف شركة جديدة.
تاليا نص الحوار:
كيفية تعامل القطاع الخاص مع الحصار وأدواته اقتصاديا؟
منذ اليوم الأول للحصار، اتخذ القطاع الخاص القطري وغرفة قطر الإجراءات الوقائية لضمان عدم حدوث أي خلل في السوق القطري. وبالفعل، عقدنا لقاءات في الغرفة مع موردي المواد الغذائية ومواد البناء وغيرهما مع وجود مسؤولين من جهات كثيرة وذلك لحل كافة المعوقات التي تواجه أصحاب الأعمال ولإيجاد مصادر بديلة.
ولله الحمد، نجح القطاع الخاص في أن يكون له دور بارز خلال الأزمة وحال دون حدوث نقص أو خلل في السلع والبضائع والخدمات وذلك بفضل العلاقات الوثيقة التي أسسها القطاع الخاص مع دول صديقة وبفضل السمعة الطيبة التي تمتلكها دولة قطر خارجياً تحت القيادة الحكيمة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد ال ثاني أمير البلاد المفدى.
ويمكنني القول بأن القطاع الخاص أثبت أنه يملك الأدوات التي تمكنه من لعب أدوار مهمة خلال الأزمات، فكما أثبت من قبل قدرته على تحقيق التنويع الاقتصادي وتقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية منذ أزمة انخفاض أسعار النفط عالمياً؛ فقد أثبت مجدداً قدرته على التعامل مع حصار اقتصادي جائر وظالم.
ولعل الإجراءات التي اتخذها القطاع الخاص في الأيام الأولى للأزمة تدلل على صحة ذلك، حيث أوجد مستوردو المواد الغذائية ومواد البناء وجهات بديلة للسلع في زمن قياسي، وهو ما حال دون تحقيق مآرب دول الحصار في خلق أزمة بالسوق القطرية، كذلك ألتزمت الشركات بعدم رفع الأسعار جراء بعض رسوم الشحن أو استغلال الأزمة لتحقيق أرباح، وهذا الموقف الوطني خلق حالة من الطمأنينة لدى المستهلكين.
ما هو تقييمكم لتعاطي الدولة مع الحصار، خاصة في ظل نجاحها في توفير مسارات جديدة للاستيراد التصدير؟
في واقع الأمر، اتسم تعامل الدولة مع تداعيات الحصار بالاحترافية العالية والحكمة والتحضر، وشهدت الدولة تحركات دبلوماسية واقتصادية وقانونية على كافة المستويات وبكافة السبل والإمكانيات المتاحة.
فشهدنا تحركات على كافة الجهات التي نجحت إلى حد كبير في تحجيم المؤامرة على قطر وحولت موقف دول الحصار من الهجوم إلى الدفاع.
فعلى الجانب السياسي، واجهت الحكومة التهور والعجلة من قبل دول الحصار، بحكمة وروية حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، والذي تعامل مع الأزمة بكل حنكة سياسية، وعن الدبلوماسية القطرية سطع نجم فارس الدبلوماسية القطرية سعادة الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني وزير الخارجية، الذي جاب العديد من الدول المهمة لشرح قضية الحصار على قطر، ولم يهبط لمستوى دبلوماسية دول الحصار إذ أعطى للمنصب هيبته ورزانته وكذلك فند الاتهامات الموجهة لقطر بتصريحات وبيانات موثقة ومتزنة ، مما منح الموقف القطري المصداقية والتأييد من جميع دول العالم.
أما على الجانب الاقتصادي، فنجد أن الحكومة القطرية تعاملت مع أزمة الحصار بشكل إيجابي وباقتدار، حيث نتج عن الحصار افتتاح أكثر من 3200 شركة جديدة، إضافة إلى الدور الذي لعبه جهاز قطر للاستثمار، الذي يعد الذراع الاستثماري الخارجي لدولة قطر، إذ تعامل مع الأزمة باحترافية شديدة، وقام بالدخول (الاستثمار) في قطاعات تجارية متنوعة، حيث يسعى الجهاز إلى توفير بدائل أخرى للدخل.
" على الجانب الاقتصادي، نجد أن الحكومة القطرية تعاملت مع أزمة الحصار بشكل إيجابي وباقتدار، حيث نتج عن الحصار افتتاح أكثر من 3200 شركة جديدة، إضافة إلى الدور الذي لعبه جهاز قطر للاستثمار " |
كما تم خلال الحصار، الافتتاح الرسمي لميناء حمد الدولي بقدرات استيعابية ضخمة تفي باحتياجات المواطنين بسهولة ويسر، حيث يعد الميناء من أكبر الموانئ في المنطقة العربية، كما أن الحصار لم يؤثر على استكمال المشروعات الخاصة بمونديال كأس العالم 2022، وكذلك إنجاز مشروعات "الريل" (الميترو وسكة الحديد)، والحفاظ على تصنيفات مستوى التعليم والصحة على مستوى العالم.
كما أن الدولة تمكنت من استحداث خطوط تجارية مباشرة مع عدد من الموانئ الإستراتيجية، والاستفادة من خدمات الشحن التي يوفرها الناقل الوطني لأكثر من 150 وجهة حول العالم، مما عزز انفتاحها على العديد من الأسواق، ومكنها من فتح قنوات جديدة مع مختلف شركائها التجاريين حول العالم.
وقد تمكن الاقتصاد القطري في ظل هذه الخطط والتوجيهات من تحقيق مراتب متقدمة في مختلف التقارير الدولية، حيث تحتل دولة قطر -حالياً- المرتبة الثانية عالميا، من حيث توفير بيئة مستقرة للاقتصاد الكلي، والثامنة عالميا في مؤشر الأداء الاقتصادي، والثامنة عشرة في مؤشر التنافسية العالمي لعام 2016.
وعلى المستوي القانوني، دعت الغرفة إلى تشكيل لجنة لحصر الأضرار التي تعرض لها الأفراد والشركات وذلك لحصرها وتزويدها للجهات الرسمية تمهيداً لرفع دعاوى تعويض عن هذه الأضرار ضد دول الحصار.
هل تجاوزت قطر مرحلة التأثر الشديد بالحصار؟
بكل تأكيد، والذي ينظر إلى الاقتصاد القطري والأسواق يجد أن الحياة اليومية تسير بشكل طبيعي، وقد استمرت عجلة الإنتاج والبناء والتشييد بسرعة ودون تعطل أو توقف، مما يؤكد الشعار الذي رفعته الغرفة سابقا من أن قطر فوق الحصار.
برأيكم ما هي المقومات التي تملكها قطر ومعها القطاع الخاص للصمود طويلا في وجه الحصار ؟
قطر تمتلك الكثير من المقومات والإمكانات التي يمكنها التأقلم مع هذا الحصار وإن طال أمده. فقطر لديها اقتصاد قوي ومنفتح ومتنوع يجذب الاستثمارات من كافة دول العالم بفضل المحفزات والقوانين والتشريعات، كما أن قطر تعتبر ثاني أكبر منتج ومصدر للغاز الطبيعي المسال ولديها احتياطات كبيرة من الغاز والنفط.
هذا بالإضافة إلى الاستثمارات الخارجية التي تتنوع وتغطي دول كثيرة في جميع القارات، بالإضافة إلى العلاقات السياسية والاقتصادية القوية التي تربط دولة قطر بكافة دول العالم والتي أسهمت في خلق خطوط ملاحية جديدة مع دول صديقة، كما يلعب القطاع الخاص دورا مهما في مساعدة الدولة على الصمود في وجه هذا الحصار الجائر بما يملكه من مقومات ونجاحات واستثمارات.
أضف إلى ذلك النمو الصناعي ونمو قطاع الأعمال الذي حدث في الآونة الأخيرة بدعم من القيادة الرشيدة والحكومة الموقرة، والنمو في قطاع السياحة والبنية التحتية والخدمات والبنوك وغيرها من القطاعات الاقتصادية.
والأهم أن دولة قطر لها علاقات دبلوماسية قوية ومتوازنة مع العديد من الدول الكبرى، وباختصار، يمكنني القول بأن قطر استفادت من الحصار، وحققت العديد من الإنجازات منها إقرار تشريعات جديدة تعزز استقطاب الاستثمارات الأجنبية ، ودعم الاستثمار في الدولة وتقديم حوافز تشجيعية جديدة للقطاع الخاص لدعم الصناعات المحلية وزيادة الإنتاج، فضلاً عن أعفاء مواطني 80 دولة من تأشيرة الدخول المسبقة عند وصولهم إلى قطر مما يعزز الجانب السياحي.
![]() |
رئيس غرفة قطر أكد الدور المحوري للقطاع الخاص في مواجهة الحصار (الجزيرة) |
كيف استطاعت أن تتحول في بعض القطاعات إلى التصدير (المنتجات غير النفطية)?
مما لا شك فيه أن الحصار لم يستطع أن يؤثر على صادرات قطر إلى دول العالم بالرغم من الغلق الجوي والبري والبحري مع تلك الدول.
ولو استعرضنا نتائج التقرير الشهري الذي تعده الغرفة عن حجم الصادرات غير النفطية، سنجد أنها قد عادت إلى مستوياتها ما قبل الحصار بل وحققت زيادات عن تلك المستويات.
ففي الشهر الماضي، حققت الصادرات غير النفطية نمواً يقدر بنسبة 8.6% ، ووصل القيمة الكلية خلال عشرة أشهر إلى 15 مليار ريال .
وخلال أشهر الحصار، نجد أن قيمة الصادرات في يونيو/ حزيران الماضي بلغت (793.7) مليون ريال.
ثم كان التجاوز السريع لآثار الحصار وارتفاع قيمة الصادرات الشهرية إلى (1328) مليون ريال في يوليو/تموز، ثم كان الارتفاع إلى (1796) مليون في أغسطس/آب، ثم (1570) مليون ريال في سبتمبر/أيلول، لتصل في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي إلى (1705) مليون ريال.
ماهي توقعاتكم لمساعي تحقيق لاكتفاء الذاتي في قطر خاصة في مجالات الصناعات الغذائية والدوائية؟
دولة قطر تحرص على دعم المنتجات الغذائية الوطنية وتعزيز نسب تحقيق الاكتفاء الذاتي، وتحفيز أصحاب الأعمال والمستثمرين على الدخول في مشروعات إنتاجية جديدة في قطاعي الغذاء والدواء، وقد شهدنا عقب الحصار عدد من المبادرات والمشاريع التي طرحتها الحكومة والتي حققت خطوات جادة على أرض الواقع فيما يخص الحد من الاعتماد على الواردات وفيما يخص المواد الغذائية، كما أن العمل يتم بوتيرة أسرع على تنفيذ الخطط الزراعية الاستراتيجية لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الإنتاج الزراعي والخضروات بحلول 2030.
ماهي الأسواق البديلة التي دخلها القطاع الخاص في ظل الحصار؟ وماهي الدول المرشحة لرفع حجم الاتفاقات الاقتصادية والتجارية معها؟
تشير الإحصاءات والتقارير التي صدرت عن الغرفة عقب الحصار بشأن صادرات القطاع الخاص إلى الخارج، (تشير) إلى تصدر سلطنة عمان القائمة يليها تركيا وهونغ كونغ وألمانيا وهولندا وغيرها، أما على صعيد الاستيراد فقد أثبت الحصار قدرة القطاع الخاص القطري على تخطى الحصار من خلال إيجاد اسواق بديلة.
أما عن الوجهات المرشحة فيمكن القول أن دولة قطر منفتحة تجارياً مع كافة دول العالم لاسيما مع تدشين خطوط بحرية مباشرة بين ميناء حمد وعدد من موانئ المنطقة، والقطاع الخاص عامة يسعى بشكل دائم لعقد تحالفات واتفاقيات مع شركاء إقليمين ودوليين.
ما الذي خسرته اقتصادات دول الحصار بسبب حصارها لقطر؟
هذا الحصار الجائر الذي فرضته دول الجوار على قطر لم يؤثر على السوق القطرية بقدر ما أثر على أسواق تلك الدول التي خسرت شركاتها الكثير نتيجة فقدانها للسوق القطرية. حيث أن التعامل الغير سوي لدول الحصار ومصادرة الأموال والشركات والأصول قد ألقى بظلاله على اقتصاداتها وعلى الاستثمارات فيها.
" شعر المستثمرون بدول الحصار بأن استثماراتهم ليست في مأمن، وبالتالي شهدنا هروب كثير من الأعمال من هذه الدول في الآونة الاخيرة. " |
بجانب إيقاف خطط إنشاء المصانع فيها. وستتحول من كونها منطقة لجذب الاستثمارات لمنطقة طاردة لها، والسنوات المقبلة ستظهر ذلك بشكل جيد، بعد أن تقوم هذه الشركات بتسييل أصولها والتوجه إلى مناطق أخرى.
وبشكل عام، لم تعد هذه الدول رهاناً مضموماً للمستثمرين في أسواق الشرق الأوسط ، كما أن مكانتها الاقتصادية قد تراجعت بشكل كبير.
ما هي الإجراءات القانونية التي اتخذتموها للدفاع عن مصالح واستثمارات رجال الأعمال في مواجهة تداعيات الحصار؟
الغرفة دعت كافة الشركات القطرية لتحديد حجم الأضرار التي تعرضت لها تلك الشركات نتيجة للحصار، وبيان حجم الخسائر جراء قطع ثلاثة دول خليجية علاقاتها مع قطر وغلق المنافذ البرية والجوية وحصارها لقطر، ثم رفعت الغرفة تلك البيانات إلى لجنة المطالبة بالتعويضات، وذلك لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة. وتم تشكيل لجنة بالغرفة لمتابعة هذه المطالبات. كما نظمت الغرفة وشاركت في عدد من الندوات القانونية المتخصصة التي تناولت الأمور القانونية المتعلقة بالحصار.