لم يكن جفّ حبر إعلان رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري أمس عودته عن إستقالته استناداً إلى “قرار” من الحكومة “بكل مكّوناتها” بـ”النأي بنفسها” عن أي صراعات ونزاعات وحروب وعن الشؤون الداخلية للدول العربية، حتى اتّجهتْ الأنظار سريعاً الى وقْع هذا المَخْرج في السعودية التي كانت الإستقالة التي أعلنها الحريري من الرياض جاءت على وهج المواجهة المتعاظمة بينها وبين طهران ، وتصاعُد “الغضبة” حيال أدوار “حزب الله” العسكرية والأمنية في الساحات العربية، ولا سيما اليمن.
وفي انتظار اتضاح الموقف السعودي الذي كانت آخر تجلياته في قول ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قبل 12 يوماً “خلاصة القضية ان الحريري ، المسلم السني ، لن يستمرّ في توفير الغطاء السياسي لحكومةٍ لبنانية تتحكّم بها في شكل أساسي ميليشيا “حزب الله” التي تتحكّم بها طهران”، انهمكتْ بيروت في عملية “تدقيق لغوي” ذات بُعد سياسي في الصيغة التي اعتمدها مجلس الوزراء لطيّ صفحة أزمة الاستقالة التي كانت فُتحت قبل شهر حين قدّمها الحريري في خطاب متلفز في 4 ت2 الماضي من الرياض ، ليعود في 22 من الشهر نفسه ليعلن التريث فيها غداة عودته الى بيروت.
والأكيد أن البيان – القرار الذي تلاه الحريري بعد الجلسة الاستثنائية التي دعا اليها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بالتوافق مع رئيس الوزراء والذي تعود معه حكومة “إستعادة الثقة” إلى “الحياة” تحت سقف التسوية السياسية التي كانت أنهت الفراغ الرئاسي نهاية ت1 2016، جاء بمنزلة أقلّ من “بيان وزاري جديد” وأكثر من مجرّد بيان سياسي للحكومة، وسط تَعمُّد رئيسها “الخروج عن النص” ليؤكد أن ما يُدْلي به هو “قرار” صادر عن مجلس الوزراء في إشارة الى طابعه الالزامي.
وفي قراءة لحسابات الربح والخسارة في هذا المَخْرج، ترى أوساط سياسية أنه رغم حرص “حزب الله” على اعتبار أن سَيْره به يشكّل امتداداً لموافقته على البيان الوزاري الذي نالت هذه الحكومة على أساسه الثقة في إشارةٍ ضمنية إلى أن الصيغة التي اعتُمدت لم تتضمّن جديداً، فإن قرار النأي بالنفس في ذاته عنصرٌ لم يكن موجوداً في البيان الوزاري وإدراجه من ضمن مناخ اجماعي معطوف على تأكيد ضرورة حفظ علاقات لبنان السياسية والاقتصادية مع الدول العربية يعكس استشعار “حزب الله” بضرورة تقديم ورقة للبنان الرسمي تتيح له احتواء المناخ العربي التصعيدي حياله.
على أن هذه الأوساط تَعتبر أن ما قدّمه “حزب الله” الذي أحبط إدراج بند وقف الحملات الإعلامية على الدول العربية في “بروتوكول العودة عن الإستقالة”، قام بتراجُع تكتيكي لضمان الإبقاء على الحكومة وتَماسُكها كخطّ دفاع عنه بوجه الضغوط الخارجية عليه سواء التي “ستهبّ حتماً” من بوابة العقوبات الأميركية أو التي قد تكون على الطريق سعودياً وعربياً بحال لم تحصل ترجمةٌ للمَخرج الذي جرى اعتماده لإنهاء الأزمة الإستقالة .
ولاحظتْ الأوساط نفسها في هذا السياق أن عبارة “إلتزام الحكومة، بكل مكوّناتها السياسية، “النأي بنفسها” عن أي نزاعات أو صراعات أو حروب”، ورغم اعتبار خصوم “حزب الله” أنها مكسب كبير، إلا أنها تبقى “حمّالة أوجه” إذ يمكن تفسيرها على أنها إلزام للبنان الرسمي بالنأي بنفسه، في حين أن السؤال الكبير هل من “ملحقات سرية” لهذا البيان على شكل ضمانات وفّرتها فرنسا عبر حركتها المكوكية التي شملت بيروت وطهران والرياض بأن ينأى “حزب الله” بالفعل عن صراعات المنطقة؟