القدس-"القدس" دوت كوم خاص في الخامس عشر من أيار من كل عام ، تنفتح جراح الفلسطينيين مجددا ، فيما تشتعل الذاكرة التاريخية بتفاصيل الهجرة القسرية من فلسطين الانتدابية التي اقتلع منها الإباء والاجداد بقوة السلاح وبمؤامرة عالمية استهدفت ازالة شعب مازال وسيبقى حيا واستبداله بلمام من شتى اصقاع العالم بات يعرف في التاريخ الحديث باسم الشعب الإسرائيلي .
ويؤكد شعبنا الفلسطيني وقيادته في هذه المناسبة على ان حق العودة مقدس وغير قابل للمساومة او التفريط ، مشددين على ان كل المؤامرات التي تحاك ضد هذه القضية ستتحطم على صخرة صمودنا وتشبثنا بحقنانا التاريخي الذي يحق لأي كان ومهما بلغت قوته ان يحرمنا منه .
وعندما تجلس الى من تبقى من كبار السن الذين هاجروا من البلاد في العام 1948 ، فانهم يعطونك شحنة من الامل بأن حتمية التاريخ سوف تتحقق وهي ان فلسطين ستعود الى اصحابها الشرعيين يوما ما ، حتى وان طال زمن العودة .
الحاجة نعيمة : كنا نعيش حياة مستقرة وامنة ....
وفي هذا السياق تقول المسنة نعيمة محمد علي " ام عبد الله" التي شارفت على التسعين عاما ولكنها مازالت تحتفظ بذاكرة صلبة في حديث مع مسؤول ملف الاعلام في المؤتمر الوطني الشعبي للقدس واصل الخطيب : انا من قرية بيت ثول الواقعة الى الغرب من مدينة القدس والبعيدة عن باب الخليل 15 كيلو مترا ، كنا نعيش حياة مستقرة وهادئة فيها الكثير من العطاء والحب والوفاء بين الناس وكنا امنين جدا ولم نكن نتوقع في يوم من الأيام ان تهاجمنا العصابات الصهيوينة وتنسف القرية على رؤوسنا وتخرجنا منها بقوة السلاح وتشتتنا في اكثر من قرية منها يالو وقطنة المجاورتين .
وتضيف " ام عبد الله" التي ترتدي الثوب الفلسطيني المطرز بالحرير وتعتمر قبعة يغطيها شال حريري ناعم بلون عاجي : خرجت من القرية وكان عمري مابين اال1416 عاما حسب ما اذكر ، وقد ترك والدي ووالدي رحمهما الله كل شيء في البيت وهربوا بنا مع بقية سكان القرية الى البلدات المجاورة خوفا من ان تقتلنا العصابات اليهودية . وقد سكنا لفترة في قرى عديدة اذكر منها يالو وقطنة وغيرهما ثم جئنا بعد ذلك الى حارة الشرف في القدس وبقينا فيها عدة سنوات ثم انتقلنا الى مخيم شعفاط حيث نسكن حاليا .
وتقول الحاجة نعيمة : لقد جئت الى القرية في زيارة نظمها اولادي واحفادي وجلست في منطقة قريبة من البيت الذي كنا نسن فيه وعندها شعرت ان قلبي سيخرج من صدري من شدة الألم فطلبت منهم ان يعدونني الى المخيم لأنني لم استطع تحمل المشهد ... مستوطنة على اطلال قريتنا .
وتختتم " ام عبد الله " قولها وقد انهكها الكلام بسبب تقدمها في العمر:" أتمنى ان ااستنشق هواء بيت ثول قبل ان اغادر الحياة واوصي ابنائي واحفادي بعدم التفريط ومن يفرط او يتنازل فانه ليس من ذريتي . انها وصية زوجي قبل ان يرحل وانا انقلها الى كل ذريتي فنحن لن ننسى ما حل بنا من جريمة يشهد عليها كل العالم ."
علقم : اهم القرى الاقتصادية للقدس ...ز
من جانبه يقول نجلها الشيخ عبد الله علقم القيادي السياسي والمجتمعي والعشائري في مخيم شعفاط في حديثه مع الخطيب ، انه يجتمع يوميا الى والدته مع ابنائه وبناته ويستمع منها الى تفاصيل الحياة في قرية بيت ثول ما قبل النكبة ، مشيرا الى ان بلدته المهجرة كانت تعتبر من اهم القرى الزراعية والاقتصادية لمدينة القدس التي تبعد عنها عدة كيلو مترات فقط .
ويضيف علقم وهو على مشارف الستين من عمره ، انه ورغم المؤامرة الكبرى التي تعرض لها شعبنا الفلسطيني الا ان الذين تأمروا عليه لم يتمكنوا من كسر شوكته او تشويه ذاكرته بل استمرت الأجيال المتعاقبة في النضال من اجل العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف .
وتابع ان الانتفاضة الأولى عام 1987 كان ماهم شعراتها حق العودة وتقرير المصير والذين انخرطوا فيها واستشهدوا او جرحوا او اعتقلوا هم من الجيل الشاب الذي حمل الأمانة وتصدى لمشاريع التصفية الاحتلالية ومازال يرفع راية الحرية الى اليوم رغم حالة الجزر التي تمر بها القضية الفلسطينية لأسباب عديدة أهمها الانقسام الداخلي وعدم وجود موقف عربي واسلامي موحد ومتماسك حيال قضيتنا وثالثهما غياب العدالة الدولية التي أعطت الحق لمن لا يستحق .
أبو شمس : هربنا من رائحة الموت ....
في السياق ذاته ، يقول الحاج علي محمد علي أبو شمس وهو في أواخر الثمانينيات من عمره ، انه يأمل العودة الى قرية بيت ثول التي عاش فيها مرحلة لابأس بها من الطفولة ، مستذكرا العملية الاجرامية التي ارتكبتها العصابات الصهيوينة بحق أهالي البلدة حينما بدأت بعملية تفجير في القرية من الأسفل الى الأعلى مخلفة الرعب في قلوبنا خاصة و اننا أناس بسطاء نعيش على الزراعة وتربية المواشي ولم نكن نمتلك سلاحا للمواجهة فهربنا من رائحة الموت الذي كان يهددنا .
ويتابع أبو شمس الذي يرتدي دماية ويعتمر كوفية وهو اللباس الذي كان يرتديه قبل الهجرة في إشارة الى الحفاظ على الموروث : انه مازال على امل بانه سيعود الى بلدته رغم تقدمه في السن ن مشددا على انه حتى لو لم يتحقق هذا الحلم فان أبنائه واحفاده " سوف يحققون امنتي بالعودة الى قريتنا وارضنا التي اقتلعنا منها بقوة السلاح وهجرنا في شتى بقاع الأرض حتى استقر بنا الوضع في مخيم شعفاط . "
ويعبر أبو شمس عن عشقه الذي لا يبرح قلبه لقريته بيت ثول ويقول :" ما اطيب هواءها في الصيف فهو بارد ومنعش اما في الشتاء فان الأجواء كانت دافئة وتشعرنا بالسعادة ... اليوم نعيش في ازقة وفي بيوت متلاصقة بمخيم شعفاط لا يجود حولها أي شبر من الأرض وبعد ان كنا منتجين اصبحنا مستهلكن ."
103 الاف لاجئ في مخيم شعفاط ....
ويعيش في مخيم شعفاط نحو 103 الاف لاجئ مسجلين لدى وكالة الغوث الدولية ويزداد هذه الرقم مع المواليد الجديدة اليومية ، وفقا لمحمود الِشيخ علي رئيس اللجنة الشعبية للخدمات في المخيم ، في حديثه الى المكتب الاعلامي في المؤتمر الوطني الشعبي للقدس .
ويقول الشيخ علي ان المخيم مكتظ سكانيا والبناء فيه عموديا وبالكاد نستطيع ان نتنفس الهواء ، مشيرا الى ان الخدمات التي تقدمها وكالة الغوث للاجئين مستقرة حاليا من حيث التعليم والصحة ولكن هناك الكثير من النواقص التي يحتاج اليها أهالي المخيم ، الا ان الوكالة لديها عجز مالي ولا تستطيع توفير هذه الاحتياجات حسب مديرة العمليات في "الاونروا" التي اجتمعنا بها قبل أيام .
وفي ازمة "كورونا" المستمرة يقول الشيخ علي ، ان الأمور زادت تعقيدا وقد أصيب 11 مواطنا بهذه الفيروس المستجد فيما خضع 68 مواطنا للحجر المنزلي ، الا انهم تعافوا تماما بفضل الجهود التي بذلتها اللجنة الشعبية بالتعاون مع مؤسسات المخيم واللجان الصحية ولجان الطوارئ ، مشيرا الى ان الخوف كان من تفشي المرض بشكل اوسع جراء الاكتظاظ السكاني الذي نعاني منه والهجمة الاحتلالية المتواصلة على المخيم ومؤسساته الرامية الى اغلاقها وتحويل المخيم الى " شعفاط 2" حسب المخطط الإسرائيلي لإنهاء قضية اكبر تجمع للاجئين في القدس وضواحيها .
الجيل الجديد : العودة حق مقدس ولن نفرط به ....
اما الجيل الجديد فيؤكد تمسه بحق العودة المقدس . ويقول ادهم الهندي امين سر حركة "فتح" في مخيم شعفاط ان الشعب الفلسطيني لن ينسى ما حل به من جريمة في العام 1948 ونحن كجيل جديد نؤكد على ما زرعه الإباء والاجداد فينا فلن ننسى بلادنا التي هجرنا منها بالقوة وحتما سنعود اليها بشتى الوسائل .
ويضيف الهندي ان حركة "فتح" التي ترفع شعار "حق العودة والتعويض" لا يمكن ان تتنازل عن هذا الحق ثابت مهما كانت التضحيات ، فقد سقط على مذبح الحرية عشرات الاف من الشهداء والجرحى فيما اعتقل مئات الالاف من أبناء شعبنا في سجون الاحتلال ونحن مستعدون للتضحية جيلا بعد جيل حتى الخلاص من هذا الاحتلال والعودة الى ديارنا التي هجرنا منها وإقامة دولنا المستقلة وعاصمتها القدس الشريف .
ويشاركه الرأي القيادي في حركة "فتح" رئيس لجنة مقاومة الجدار والاستيطان في القدس حمدي ذياب الذي يتحدر من فرية يالو المهجرة ، مشددا على ان من يدعون ان حق العودة لم يعد قائما هم واهمون . فالأجيال الجديدة اكثر تشبثا ووعيا ممن سبقوهم وهم على العهد بأن العودة حق مقدس ولن تكون الا للقرى والبلدات التي هجرنا منها . وقال ان سنتمترا واحدا من قرية يالو يساوي عنده العالم بأسره ، مضيفا : انني ازورها بين الفينة والأخرى لاشتم رائحة جدي ووالدي واتلمس ترابها الطهور واقبله واعاهده على عدم التفريط مهام كان ثمن ذلك .
بدوره يقول رجل الاعمال والقيادي الشبابي احمد عودة أبو سيف المتحدر من قرية بيت ثول انه يرفض العيش في مخيم شعفاط الى لابد ، مشيرا الى ان كل الأجيال الشابة تعيش على امل العودة سواء كان ذلك بحل سياسي عبر المفاوضات بين منظمة التحرير وإسرائيل او من خلال النضال الجماهيري الذي مع المراكمة التاريخية يستطيع انجاز الكثير من الحقوق السياسية . وشدد أبو سيف على ان حق العوة لا يسقط بالتقادم وان الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات كله يجمع على حق العودة الى الديار " وهذا ما تؤكده القيادة الفلسطينية سواء في خطاباتها الرسمية او في المفاوضات التي سبق وان أجرتها مع إسرائيل"، مشددا على ان دولة الاحتلال تكون واهمة اذا اعتقدت ان شعبنا الفلسطيني يفرط بحقوقه ويتنازل عن حقه بالعودة وتقرير المصير .
بدوره قال الناشط المجتمعي أسامة علقم انه زار قرية بيت ثول التي يتحدر منها وعائلته قبل فترة وجيزة وشاهد مستوطنة " نتاف " المقامة على أراضيها وقد شعر بجرح يشق قلبه وذرف دموعا كثيرة عندما شاهد اطلال قريته التي عاش فيها اجداده وعمروها بعرقهم وكدهم ،مشددا على ان الجيل الجديد لن يغفر الجريمة الكبرى التي ارتكبت بحق شعبنا بأكمله وانه سيتمكن ان عاجلا ام أجلا من استرداد الحق المسلوب .
المصدر: القدس